فصل في فرائض وسنن الوضوء بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد..
قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
فصل:
فروض الوضوء ستة: غسل الوجه مع مضمضة واستنشاق، وغسل اليدين والرجلين،
ومسح جميع الرأس مع الأذنين، وترتيب، وموالاة، والنية شرط لكل طهارة شرعية
غير إزالة خبث، وغسل كتابية لحل وطء، ومسلمة ممتنعة.
والتسمية واجبة في وضوء، وغسل، وتيمم، وغسل يدي قائم من نوم ليل ناقض لوضوء، وتسقط سهوا وجهلا.
ومن سننه: استقبال قبلة، وسواك، وبداءة
بغسل يدي غير قائم من نوم ليل، ويجب له ثلاثا تعبدا، وبمضمضة فاستنشاق،
ومبالغة فيهما لغير صائم، وتخليل شعر كثيف، والأصابع، وغسلة ثانية وثالثة،
وكره أكثر، وسن بعد فراغه رفع بصره إلى السماء وقول ما ورود، والله أعلم.
رأينا أنه يختصر كثيرا، فاقتصر على
فروض الوضوء ولم يذكر صفته؛ وذلك أنه إذا أتى بهذه الفروض فقد أتى بالوضوء
المطلوب، وكذلك إذا حافظ على سننه وشروطه وواجباته، وهذه الأشياء التي هي
السنن مثلا والواجبات والشروط وما أشبهها مأخوذة من عمومات الأدلة.
الوضوء مسمى شرعي، لا تعرف العرب هذا
الاسم إلا من حيث العموم، يعني مشتق من الضوء الذي هو النور، قيل لأنه
ينير للمتوضئ الطريق إلى العبادة، وقيل لأنه ينور هذه الأعضاء أي ينظفها،
أو لأنه ينورها في الآخرة تنويرا حسيا، حيث ورد أن هذه الأمة يُعرفون
بالغرة والتحجيل كما هو مشهور.
شروط الوضوء تسعة كما هو معروف: من شرطه
الإسلام: فلا يصح الوضوء من كافر، والعقل: لا يصح من فاقده، والتمييز: لا
يصح من الصغير الذي لا يميز، إلى آخرها.
فروضه ستة، يعني بالتتبع وُجد أنها لا
تخرج عن ستة، يعني يراد بها الواجبات فيه، وكأنهم بهذا فرقوا بين الفرض
والواجب، والجمهور على أنه لا فرق بينهما، فهاهنا جعلوا هذه فروض، وجعلوا
الواجب هو التسمية، والفرق بينهما أن التسمية تسقط سهوا وجهلا، وأما
الفروض فلا تسقط سهوا ولا جهلا.
الذين فرقوا بينهما كالحنفية قالوا:
الفرض آكد، وهو ما ثبت بدليل قطعي، والواجب ما ثبت بدليل ظني. ولعل هذا
اصطلاح خاص بالأحناف، وإلا فالفرض والواجب تعريف كل منهما واحد.
يعرِّفون الواجب بأنه ما يثاب فاعله
احتسابا، ويعاقب تاركه تهاونا، فيدخل في ذلك الفروض؛ فإنه يثاب من فعلها
تقربا إلى الله تعالى، ويعاقب من تركها عصيانا وتهاونا بها، فيعم الفروض
والواجبات.
ففروض الوضوء ستة: غسل الوجه مع مضمضة
واستنشاق، الوجه ما تحصل به المواجهة، يعني المقابلة، فلا يدخل فيه الرأس
الذي هو منبت الشعر؛ لأنه غالبا يستر بالعمامة والقلنسوة، ولا تدخل فيه
الأذنان؛ فالغالب أنها تستر بالعمامة ونحوها، وتدخل فيه اللحية والعارضان
لأنها تحصل بهما المقابلة والمواجهة، فعلى هذا يلزم غسل الشعر كما سيأتي.
المضمضة والاستنشاق ألحقا بالوجه،
الجمهور على أنهما لازمان، واجب أن يتمضمض ويستنشق، المضمضة: تحريك الماء
في الفم، والاستنشاق: اجتذاب الماء في الأنف بقوة النفَس.
الحكمة تنظيف الفم؛ لأنه قد يكون فيه شيء
من الوسخ بعد الأكل والصمت ونحو ذلك؛ ولذلك شرع تنظيفه بالسواك، كذلك
تنظيف الأنف -يعني المنخرين- لأنهما قد يتحلل منهما شيء من الرأس من
المخاط ونحوه، فشرع تنظيفهما؛ حتى يأتي الصلاة نظيفا بقدر ما يستطيع قد
نظف ظاهره.
استدل على الوجوب بقوله في الحديث:
إذا توضأت فمضمض
وفي حديث آخر:
وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما
واستدل بأن الوجه يدخل فيه ما يلحق به
كالعينين، فالمنخران تابعان له، ويلزم غسل داخلهما بقدر الاستطاعة، والفم
أيضا داخله، فيجعلونه في حكم الظاهر؛ لأنه إذا وضع في فمه ماء وهو صائم ثم
مجه لم يفطر، فدل على أن له حكم الظاهر، ولو وضع في فمه جرعة خمر ثم مجها
ما حُدَّ لذلك، ولو أن الصبي مثلا في سن الرضاع وصُب في فمه اللبن -لبن
المرأة- ثم مجه لم يعد ابنا لها، فدل على أنه في حكم الظاهر فيلزم تنظيفه.
وخالف في ذلك الشافعية، وقالوا: إنه في
حكم الباطن؛ لأنه لا تحصل به المواجهة، داخل الفم وداخل الأنف لا تحصل به
المواجهة، فالأنف يستره المنخران، والفم تستره الشفتان.
وبكل حال لما ثبت الفعل الصريح من النبي -صلى الله عليه وسلم- في وضوئه أنه كان لا يترك المضمضة والاستنشاق كان مبينا للآية الكريمة:
فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ
غسل اليدين وغسل الرجلين فرضان بلا خلاف، وحد اليدين إلى المرفقين، والصحيح دخول المرفقين في اليدين، وتكون "إلى" في قوله:
وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ
أي: مع المرافق.
وقد روي أنه -صلى الله عليه وسلم- كان
يدير الماء على مرفقيه، إذا توضأ أدار الماء على المرفق من جوانبه، مما
يدل على أنه يُدخل المرفق في الغسل.
وكذا الكعبين يغسلهما مع القدمين، والكعب
هو العظم الناتئ في ظهر القدم، وفي كل قد كعبان من الجانبين، وينتهي الكعب
بمستدق الساق، نهاية الكعب وعروقه وما يتصل به مستدق الساق، ويكون الغسل
إلى ذلك المكان.
من الواجبات مسح الرأس مع الأذنين، الرأس
هو ما ينبت فيه الشعر غالبا، يعني منابت الشعر المعتاد من نهاية الجبهة
-الجبين- إلى القفا، ورد مسحه مبتدئا بالناصية -المقدم- في حديث عبد الله
بن زيد: أنه -صلى الله عليه وسلم-
مسح برأسه فأقبل بهما وأدبر
والواو هاهنا ليست للترتيب ولكنها لمطلق الجمع.
يقول:
فأقبل بهما وأدبر
ثم فسر ذلك بقوله:
بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه
هذه صفة المسح: يمرهما على الشعر، إذا كان
الشعر مسدولا فإن اليدين تمران على الرأس، يمرهما عليه، وكذلك إذا كان
الشعر معقوصا، وكذلك إذا كان الشعر جعدا، المرور يعم الرأس يعم جميع
الرأس، يمر يديه على الشعر.
واختلف في مسح الأذنين: هل يجوز ببقية بلل الرأس، أو يأخذ لهما ماء جديدا؟ ورد في حديث أنه
أخذ لأذنيه ماء جديدا
والصحيح أنه أخذ الماء الجديد لرأسه،
مسح رأسه بماء غير فضل يديه
هكذا ذكر في بلوغ المرام.
ثم صفة مسح الأذنين: إدخال السبابتين في
صماخ الأذنين -يعني في خطها-، ومسح ظهور الأذنين بالإبهامين، يمسح ظهر
الأذن بإبهامه -يعني يمره عليه-، وأما غضاريف الأذن فلا تمسح؛ لما في ذلك
من مشقة.
وقد ورد أيضا أنه -صلى الله عليه وسلم- قال:
الأذنان من الرأس
وهو
صريح بأنهما يمسحان، حديث مشهور مروي عن عدة من الصحابة، السنة دلت على
تعميم المسح، أنه يعم جميع رأسه بالمسح، من أدناه إلى أقصاه.
خالف في ذلك الشافعية فقالوا: يجزئ أن
يسمح ولو بعض شعرة. وهذا خلاف النصوص؛ فإن الوارد عنه -عليه الصلاة
والسلام- كان يعمم رأسه بالمسح، لم ينقل أنه كان يقتصر على بعضه.
وذهب الحنفية إلى أنه يكفي ربع الرأس،
واستدلوا بحديث المغيرة أنه -صلى الله عليه وسلم- مسح بناصيته، وأجاب عن
ذلك ابن كثير في التفسير بأنه مسح ناصيته لأنها ظاهرة، وكمل المسح على
العمامة؛ فإن في الحديث:
مسح بناصيته وعلى العمامة والخفين
ولم ينقل أنه اقتصر على مسح بعض الرأس، فمسح جميع الرأس هو فرض، لا يجزئ بعضها، هذا هو الأصل، ومنه الأذنان.
من الفروض أيضا الترتيب، الترتيب أن يرتب على ما في الآية: أن يبدأ بالوجه، ثم باليدين، ثم بالرأس، ثم بالرجلين، ويختم بالرجلين.
الرجلان مغسولتان كما أن اليدين مغسولتان، وعليه أن يتأكد من غسل رجليه، ورد الحديث:
ويل للأعقاب من النار
الأعقاب
هي مؤخر الأقدام، وذلك لأن الذي يتوضأ سريعا قد يكون من سرعته أنه لا
يتعاهد مؤخرة الرجل، فيبقى فيه بقعة مثلا أو بياض، فأمر بأن يتعاهد ذلك
ويدلكه.
تعرفون أن مذهب الرافضة مسح الرجلين، وهو خلاف السنة، ما نقل أنه -صلى الله عليه وسلم- مسحهما، بل كان يغسلهما، والسنة مبينة للقرآن.
الترتيب بدؤه بوجهه، ثم بيديه، ثم برأسه، ثم برجليه، فلو غسل يديه قبل وجهه لزمه إعادة غسلهما بعد الوجه.
ولو غسل رجليه قبل أن يمسح رأسه لزمه
غسلهما آخر وضوئه، ولو مسح رأسه قبل غسل يديه لزمه أن يسمح رأسه بعد
اليدين حتى يرتبها على ما ورد في الآية:
فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ
على هذا الترتيب، فيبدأ بما بدأ الله به كما في الحديث.
الموالاة أيضا فرض، الموالاة هي أن
يواليها ويسرع فيها، أن يغسل كل واحد عقب الآخر ولا يتوقف، إذا انتهى من
غسل الوجه بدأ بغسل يديه، ثم بعد اليدين يبدأ بمسح الرأس، وبعد الرأس يبدأ
مباشرة بغسل الرجلين.
فلو غسل وجهه ويديه ثم توقف، توقف ساعة
أو نصف ساعة أو ربع ساعة، ثم جاء كمّل لم يصح وضوءه؛ لأن الوضوء عبادة لا
بد أن تكون متوالية في وقت واحد ولا يفرقها.
وحددوا ذلك بألا ييبس عضو قبل غسل ما
بعده، فلو يبس وجهه قبل غسل يديه أعاد غسل الوجه، إلا إذا كان هناك مثلا
ريح شديدة وحر وسموم، فإنه قد يجف الوجه بسرعة، ولكن الوضوء المعتاد.
هناك بعض الناس الموسوسين الذين يقيم
أحدهم في الوضوء ساعة أو ساعتين، لا شك أن هذا من الشيطان، حيث إنه يبقى
يدلك يديه نصف ساعة، ويخيل إليه أنهما ما تبلّغا، ويبقى يغسل رجليه
ويدلكهما مثلا ساعة أو نصف ساعة.
في هذه الحال يعتبر ما توضأ وضوءا
متواليا، عليه في هذه الحال إذا كان يشق عليه أنه إذا انتهى من غسلهما
يعيد وضوءهما بسرعة، في نصف دقيقة يعيد غسلهما متواليا، هذه أركان الوضوء
ستة -فروض الوضوء-.
النية شرط لكل طهارة شرعية، النية -كما
عرفتم- هي عزم القلب على الفعل، أن ينوي بقلبه فعلا من العبادات الشرعية،
الطهارة عبادة شرعية، الوضوء، الغسل، التيمم: تسمى هذه طهارات شرعية، فلا
بد لها من النية.
فلو مثلا أن إنسانا غسل وجهه لإزالة نعاس
أو نحو ذلك، ثم غسل يديه لنظافتهم وتنظيفهم، هذه نيته، ولما انتهى من ذلك
قال: سأكمل الوضوء، مسح برأسه، وغسل رجليه. نقول: لزمه أن يعيد غسل وجهه
ويديه؛ لأنه غسلهما بدون نية رفع الحدث، وإنما بنية رفع نعاس مثلا، أو
بنية النظافة، أو ما أشبه ذلك، وكذلك الاغتسال، إذا اغتسل للتبرد ولم
يغتسل لرفع الجنابة فإنه لا يصح غسله، لا يرتفع حدثه.
والحاصل أن النية شرط للطهارة: كالوضوء،
والغسل، والتيمم، أما إزالة النجاسة فليست شرطا، فلا تشترط لها النية، لو
كان لك ثوب نجس ثم أصابه المطر وغمره طهر، أو وقع مثلا في سيل فغمره طهر،
أو كان في نعله نجاسة فخاض بها في سيل أو في نهر بدون نية طهر.
كذلك مما لا يشترط له غسل: الكتابية
والمسلمة الممتنعة لحِل وطء، إذا طهرت الحائض لا يحل وطئها إلا بعد الغسل،
فإذا امتنعت المسلمة أجبرها زوجها على الاغتسال، فغسلها مجبرة بدون نية
يبيح الوطء، ولكن لا يرفع حدثها، ولا تباح لها الصلاة بذلك، وكذلك إجبار
الكتابية.
"التسمية واجبة في وضوء، وغسل، وتيمم، وغسل يدي قائم من نوم ليل".
التسمية قول "بسم الله" ورد فيها حديث:
لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه
هذا
الحديث روي بعدة طرق عن عدة من الصحابة، ولكن طرقها ضعيفة لا تبلغ درجة
الصحة، فروي عن الإمام أحمد أنه قال: لا يصح في هذا الباب شيء، ولكن يقول:
بمجموع تلك الأحاديث يتقوى، فيكون دليلا على الوجوب.
محلها عند المضمضة، أو عند غسل اليدين قبلها، إذا أراد أن يغسل يديه فإنه يقول: "بسم الله" ثم يغسل يديه، ثم يتمضمض، ثم يكمل.
وكذلك عند الاغتسال، إذا أراد أن يغتسل
قبل الوضوء بدأ برأسه، بدأ بالبسملة، ثم كمل، وكذلك التيمم، عندما يريد أن
يتيمم بالتراب يقول: "بسم الله".
وهكذا من قام من نوم ليل نوم مستغرق ناقض للوضوء، فإنه يجب غسل يديه قبل أن يدخلهما في الماء، فيذكر اسم الله، يقول: "بسم الله".
ويسأل كثير: إذا كان الإنسان -مثلا- في
داخل الحمام يمنع فيه من ذكر الله؛ لأنه مستقذر، تُنزَّه أسماء الله تعالى
عن أن يؤتى بها في ذلك المكان المستقذر.
وبعض المشايخ يقول: يكفيه التسمية عند الدخول، قد تقدم أنه إذا أراد أن يدخل قال:
بسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث
فيقول: تكفي هذه البسملة، ولكن يفضلون أنه إذا دخل واستنجى خرج بعد ذلك، وتوضأ خارجا من الصالة أو نحوها، حتى يسمي.
وبعض المشايخ يقول: يسمي ولو كان في داخل
الحمام؛ وذلك لأن هذه التسمية من مكملات الوضوء، فيأتي بها، والاحتياط أن
يتوضأ خارجا؛ حتى يأتي بالتسمية.
وتسقط سهوا وجهلا، قال تعالى:
رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا
ولكن الجاهل عليه أن يتعلم.
هذه واجبات الوضوء.بقيت السنن: من سننه: استقبال القبلة، يعني أن يكون مستقبلا القبلة حال الوضوء، ولكن لم يرد دليل في ذلك.
ومن سننه: السواك، قد تقدم قوله -صلى الله عليه وسلم-:
لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء
ومن سننه: أن يبدأ بغسل يديه غير قائم من نوم
ليل، يعني غسل يدي القائم عرفنا أنه واجب، ولكن غير القائم يغسل كفيه
ثلاثا؛ لأنهما الآلة التي يغترف بهما، فهو يغترف الماء باليدين، ويغسل
بهما وجهه، ويغترفه باليد، ويغسل يده، وهكذا يغسل بيده؛ فلا بد أن ينظف
اليدين، فهو سنة.
أما من نوم الليل فإنه يجب أن يغسلهما
قبل الوضوء ثلاثا، واختلف في العلة في ذلك، واختار المؤلف أنه تعبُّد، لا
تعرف الحكمة؛ لأنه مثلا لو جعل يديه مثلا في كيس حتى أصبح لوجب عليه أن
يغسلهم.
وكذلك أيضا من السنن: أن يقدم المضمضة والاستنشاق على غسل الوجه، أن يبدأ بالمضمضة والاستنشاق قبل غسل الوجه، فإن أخرهما جاز.
من السنن: المبالغة فيهما لغير صائم، أن
يبالغ، المبالغة في المضمضة هو أن يحرك الماء بقوة في فمه، والاستنشاق أن
يجتذب الماء بقوة النفَس إلى أقصى خياشيمه حتى ينظفه، وأما الصائم فلا
يفعله مخافة أن يدخل إلى حلقه.
من السنن: تخليل شعر الوجه الكثيف، إذا
كان شعر اللحية كثيفا فإنه يخلله بأن يدخل فيه أصابعه حتى يصل إلى أصوله،
هذا من السنن، وإذا اقتصر على غسل ظاهره إذا كان كثيفا كفى ذلك، الكثير هو
الذي يستر البشرة، والخفيف هو الذي تُرى البشرة من وراءه، الخفيف يجب ما
تحته غسل داخله وظاهره.
تخليل الأصابع أيضا من السنة، ويتأكد في
أصابع القدمين؛ لأنها غالبا ملتصقة، فيُدخل أصابع يديه بين أصابع رجليه
حتى يتأكد من وصول الماء، وتخليل أصابع اليدين مستحب بأن يدخل بعضهما في
بعض، ولكن العادة والمعروف أن أصابع اليدين متفرقة، وأن الماء يصل إليها.
من السنن: التثليث، أن يغسل كل عضو ثلاث مرات، الوجه ثلاث غسلات، وكل يد ثلاثا، وكل رجل ثلاثا.
الثلاث هي أكمل، والغسلتان دونهما،
والغسلة الواحدة مجزئة، من اقتصر على غسلة واحدة رُفع حدثه، ومن غسل كل
عضو مرتين فهو أفضل، والثلاث أفضل من الثنتين.
وما زاد على الثلاث لا يجوز، مكروه كراهة تحريم، وورد النهي عن الإسراف، فروي في الحديث:
لا تسرف ولو كنت على نهر جارٍ
بعد ذلك يسن أن يرفع بصره إلى السماء ويقول ما
ورد، رفع بصره إلى السماء يعني لذكر الله تعالى، كأنه لما أراد أن يدعو
الله ويذكره رفع بصره.
الذي ورد الشهادة أن يقول:
أشهد أن لا إله الله وأن محمدا عبده ورسوله
ورد أنه يقول:
اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين
وإن قال غير ذلك من الأدعية، كأن يقول:
وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ
لأنه من الدعاء الذي قاله إبراهيم -عليه السلام- جاز ذلك، هو إن دعاه جاز ذلك.