[size=18]
لا يكون
الداعية حكيماً في دعوته إلى الله – تعالى – إلا بفقه وإتقان ركائز الدعوة وأسسها
التي تقوم عليها ، حتى يسير في دعوته على بصيرة ، ولا شك أن فهم هذه الأركان يدخل
في قوله تعالى {قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ
أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}
[1]، فلا بد من معرفة الداعية لما يدعو إليه ، ومن هو الداعي ، وما هي الصفات والآداب
التي ينبغي أن تتوفر في الداعية ؟ ومن هو المدعو ، وما هي الوسائل والأساليب التي تستخدم
في نشر الدعوة وتبليغها ؟ هذه هي أركان الدعوة : الموضوع، والداعي، والمدعو ،
والأساليب والوسائل .
المسلك الأول : موضوع الدعوة ( ما يدعو اليه
الداعية ) . موضوع الدعوة
: هو دين الإسلام {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ}
[2]{وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي
الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ }
[3].
وهذا ما فصله حديث جبريل في ذكر أركان
الإسلام : " الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ،
وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً
" ، وأركان الإيمان : " أن تؤمن بالله وملائكته ، وكتبه ، ورسله ،
واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره " والإحسان : " أن تعبد الله
كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك "
[4].
ولا شك أن الإسلام اختص بخصائص عظيمة
منها :
1. الإسلام
من عند الله تعالى .
2. شامل
لجميع نظم الحياة وسلوك الإنسان ، ومن هذه النظم :
نظام الأخلاق ، ونظام المجتمع ، والإفتاء ، والحسبة ،
والحكم ، والاقتصاد ، والجهاد ونظام
الجريمة والعقاب ، وذلك كله قائم على الرحمة ، والعدل ، والإحسان .
3. عام
لجميع البشرية في كل زمان ومكان : {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ
اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً}
[5]4. وهو
من حيث الجزاء : الثواب والعقاب الذي يصيب متبعه أو مخالفه – ذو جزاء أخروي
بالإضافة إلى جزائه الدنيوي إلا ما خصه الدليل .
5. والإسلام
يحرص على إبلاغ الناس أعلى مستوى ممكن من الكمال الإنساني : وهذه مثالية الإسلام ،
ولكنه لا يغفل عن طبيعة الإنسان وواقعه ، وهذه هي واقعية الإسلام .
6. الإسلام
وسط : في عقائده وعباداته وأخلاقه وأنظمته ، قال تعالى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ
أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ
شَهِيداً}
[6].
كما يلزم الداعية فهم مقاصد الإسلام
التي دلت عليها الشريعة الإسلامية وهي تحقيق مصالح العباد ودرء المفاسد والأضرار
عنهم في العاجل والآجل ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : (إن الشريعة
الإسلامية جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها ، وتعطيل المفاسد وتقليلها)
[7].
وبالجملة فإن الشريعة الإسلامية مدارها
على ثلاث مصالح :
المصلحة الأولى: درء المفاسد عن ستة أشياء ، الدين ، والنفس ، والعقل ، والنسب ، والعرض ، والمال
.
المصلحة الثانية: جلب المصالح : فقد فتح القرآن الأبواب لجلب المصالح في جميع الميادين وسد كل
ذريعة تؤدي إلى الضرر .
المصلحة الثالثة: الجري على مكار الأخلاق ومحاسن العادات ، فالقرآن حل جميع المشاكل العالمية التي
عجز عنها البشر ولم يترك جانباً من الجوانب التي يحتاجها البشر في الدنيا والآخرة
إلا وضع لها القواعد ، وهدى إليها بأقوم الطرق وأعدلها
[8].
فالداعية الحكيم هو الذي يدعو إلى ما
تقدم من أركان الإسلام وأصول الإيمان ، والإحسان ، ويبين للناس جميع ما جاء في
القرآن والسنة : من العقائد ، والعبادات ، والمعاملات ، والأخلاق ، بالتفصيل
والشرح والتوضيح
[9]